بقلم أنيس الجزيري خبير اقتصادي
عبر التاريخ و إثر الأزمات العالمية الكبرى، تقع تغييرات جذرية و عميقة على المدى المتوسط و البعيد، و سنركز هنا على آخر حرب عالمية و ما ترتب عنها : حيث أن بعد الحرب العالمية الثانية شهدت القوى العظمى التقليدية (بريطانيا، ألمانيا و فرنسا) تراجعا و صعدت قوتان عظيمتان (الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي)، و ما ترتب عنه من حرب باردة و سباق تسلح نووي و تقسيم أوروبا إلى معسكرين، الشرقي تحت النفوذ السوفياتي والغربي تحت نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية و ظهور حركة عدم الانحياز و إنشاء هيئة الأمم المتحدة.
كما ترتب عن الحرب العالمية الثانية العديد من الاتفاقات الشهيرة التي مكنت من إرساء النظام العالمي الحالي، نذكر منها: اتفاق يالطا و كيف تقاسم روزفلت و ستالين و تشرشل العالم،
اتفاق بريتون وودز الذي وضع الخطط من أجل استقرار النظام العالمي الحالي و إنشاء صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و جعل الدولار العملة الرئيسية.
هذه البسطة التاريخية لتأكيد عمق التغييرات التي شهدها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية و التي من خلالها وقع تسيير العالم لمدة سبعة عقود من طرف القوى العظمى التى ربحت الحرب.
نعود للسؤال المطروح، هل ان قوة و عمق أزمة الكورونا الحالية قادرة على إحداث تغييرات جذرية على النظام العالمي، مثل ما حدث إثر الحرب العالمية الثانية؟
أزمة الكورونا ستكون لها تأثيرات جوهرية على النظام العالمي
بالطبع لا في المدى القصير، لكن هاته الأزمة العالمية ستكون لها تأثيرات جوهرية على النظام العالمي الحالي وستفتح الطريق لتغييرات جذرية على المدى المتوسط و البعيد
ما نلاحظه إثر بعض الأسابيع فقط للازمة العالمية:
صعود قوي جدا للصين و تحكمها في الأزمة و حسن إدارتها و ديبلوماسية نشيطة لمد يد المساعدة لعدد من الدول و التحضير لبسط نفوذها مستقبلا
-انهيار الاتحاد الأوروبي و عدم تضامن خلال الأزمة بين الدول المكونة للاتحاد و عدم مساعدة إيطاليا أكبر متضرر من الوباء وضعف فرنسا و اسبانيا في مواجهة الكورونا، و صمود ألمانيا و قدرة كبيرة في مواجهة الأزمة و التي ستجعل منها القوة الوحيدة في أوروبا،
تذبذب و ارتباك كبير للإدارة الأمريكية في مواجهة الأزمة، لتتصدر حاليا الدول أكثر انتشارا للفيروس و عمق الأزمة الاقتصادية الأمريكية و خسائر بترليونات الدولارات،
صمود روسيا و كوريا الجنوبية و اليابان في مواجهة الأزمة.
على المدى القصير ستحتفظ أمريكيا بريادتها، لكن سريعا و على مدى المتوسط و البعيد ستفقد المركز الأول لصالح الصين، التي ستصبح القوة العظمى الأولى في العالم. أما بالنسبة لأوروبا سيتفكك الإتحاد الأوروبي ليترك المكان للقوة الثالثة عالميا و هي ألمانيا.
تصدر الصين كالقوة الأولى عالميا و حليفتها روسيا سيربك الدول الديمقراطية
تغير موازين القوى عالميا، على المدى المتوسط و البعيد، سيخلق في السنوات القادمة اضطرابات كبيرة حول العالم وصراع رهيب على النفوذ و سنشهد حروب إقليمية لبسط السيطرة و تركيز القواعد العسكرية و تأمين المسالك البحرية. كما سيشهد العالم حربا إلكترونية لم يسبق لها مثيل. سيفقد الدولار و اليورو شيئا فشيئا كعملتين رئيسيتين ومن ورائهما سيفقد صندوق النقد الدولي و البنك العالمي تأثيرهما على السياسات المالية العالمية، خاصة و أن نسبة مديونية أمريكا و عدد من الدول الأوروبية تشهد أرقاما قياسية، و في المقابل تتمتع الصين بفائض كبير يمكنها من بسط نفوذها على الدول التي اقرضتها و فرض سياساتها.
تصدر الصين كالقوة الأولى عالميا و حليفتها روسيا سيربك الدول الديمقراطية و سيجعل من الأنظمة الشمولية أكثر جاذبية و ستعاني الديمقراطيات الناشئة من اضطرابات كبيرة، يمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى الانزلاق و إعادة حكم الحزب الواحد و الدكتاتوريات.
الصراع سيكون على أشده بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية و ستكون له تبعات وخيمة على الاستقرار العالمي و اضطرابات كبيرة في الأفق، تتطلب دراية كبيرة في إدارة الأزمات و حنكة في تسيير الشعوب و حكمة للخروج بأخف الاضرار.